معهد الخوئي | Al-Khoei Institute

معهد الخوئي | Al-Khoei Institute
  • الإمام الخوئي
  • المكتبة المرئية
  • المكتبة الصوتية
  • المكتبة
  • الاستفتاءات

الاختلاف في فقه النساء بين النظرية العلمية وفتوى الفقهاء

  • ٨٩١١
  •  

الاختلاف في فقه النساء


بين النظرية العلمية وفتوى الفقهاء


 


ثمة حقائق لا بد أن نتعرض لها لنقف على معطيات جديرة بالبحث والتحقيق , وهو دور الإسلام في صناعة شخصية المرأة والاحتفاظ بحقوقها والحث على احترامها , ولعل هذا الأمر يبقى مرهونا بمدى ما يحققه البحث من الوقوف على التاريخ المؤلم الذي مرت به المرأة قبل الإسلام وكيف أن الإسلام عمل على انتشالها من واقع مخز غير أنساني بعيد عن كل حدود الإنسانية ومعالمها , ولا بد أن نرجع الى هذا التأريخ لنجد أن امتهان المرأة هو الطابع العام الذي يطبع العلاقة بين المرأة والرجل بل أن النظرة التي يمتلكها الرجل للمرأة هي نظرة الدونية والاحتقار , وهنا لا بد أن نتعرض الى عينتين اجتماعيتين تتعاملان مع المرأة على أساس الإلغاء والشطب. 


 


العينة الاولى : المجتمعات غير المدنية : 


وهي مجتمعات لا تمتلك حضارة معينة أو ثقافة ما , فهي بدائية لا تقوى على تحديد واقعها إلا من خلال ما تمارسه من عمليات صيد بدائي أو غزو تحصل من خلاله على حاجاتها المحدودة , وهي في مثل هذا الحال تنعدم فيها العلاقات الثنائية بين الرجل والمرأة عدا ما يحدد علاقة الرجل بالمرأة على أساس حاجته لها في حدود إتباع الغرائز الجنسية فقط ثم القيام ببعض الأعمال لصالح الرجل تماما كما يتم التعامل مع الحيوان الذي يحتاجه في تسيير شؤونه اليومية , وربما امتدت هذه العلاقة الى بيع المرأة كما يباع الحيوان ويتعاطى معها كما يتعاطى معه , بل يتمادى الرجل باحتقار المرأة والاستهانة بها في استخدامها لنقل حاجياته كما تنقلها الحيوانات الأخرى , وربما كان الأبشع في ذلك هو احتياج الرجل للمرأة الى لحمها فيما اذا نفذت حيواناته عند مجاعته واضطراره , وقد أشار العلامة السيد الطباطبائي الى حالات كثيرة من امتهان المرأة واحتقارها في تفسيره المعروف الميزان في تفسير القرآن عند تعرضه لقوله تعالى " والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا متاعا الى الحول غير إخراج فأن خرجن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهم بالمعروف والله عزيز حكيم ". البقرة: 241 وسنكتفي بما ذكرناه. 


 


العينة الثانية : المجتمعات المدنية :  


ومدنية هذه المجتمعات تبرز من خلال ما تمتلكه من موروثات اجتماعية تحتفظ بها تنظم حياتها العامة وعلاقاتها الاجتماعية دون الاستناد الى كتاب سماوي ديني أو قانون مدني , بل على أساس ما تعارف من تقاليد اجتماعية تنظيمية تحافظ على هذه الحياة المدنية كالصين والهند وايران ومصر وغيرها. 


 


وبالرغم من حيثيات المدنية المتوفرة لدى هذه المجتمعات الا أنها لا تمتلك أدنى حقوق المرأة التي تعتبر عنصرا مهما في بناء المجتمع المدني, أي إلغاء شخصية المرأة تماما وتداولها كسلعة استمتاع , أو آلة تباع وتشترى , وليس لها الحق في ميراث معين بل هي جملة ما يرثه الابن بعد وفاة أبيه دون أمه فله أن يستمتع بها أو يبيعها , بل يصل الحال الى أن يشترك جماعة في امرأة واحدة من أجل الاستمتاع وما تخلفه من الأولاد يغلب عليهم أقواهم , وهكذا هي المرأة الممتهنة في مجتمع مدني كمثل هذه المجتمعات والتي يحق فقط لنساء الطبقة الحاكمة أن تدلي برأيها أو تشارك في صناعة قرار معين. 


 


الزواج .... الصورة والأنموذج


ومن أجل تقريب صورة امتهان المرأة في العصر الجاهلي وعلى مستوى المحيط العربي بالذات نجد أن صور الزواج تعددت بتعدد نظر الرجل للمرأة وامتهانه لها , الا أن الإسلام جاء فصحح ما وقع به هؤلاء من انتهاك حرمة المرأة وإلغائها , ولعل إحالة لصور الزواج المتعددة عند الجاهليين توقفنا على نظرة فاحصة في هذا الشأن. 




1- نكاح الضيزن :




     وقد سمي بنكاح المقت لمقت جماعة منهم لهذا النكاح وهو كما يشير إليه الطبري بقوله : ذلك إنهن في الجاهلية كانت إحداهن إذا مات زوجها كان ابنه أو قريبه أولى بها من غيره ومنها بنفسها , ان شاء نكحها , وان شاء عضلها فمنعها من غيره ولم يزوجها حتى تموت فحرم الله تعالى ذلك على عباده وحظر عليهم نكاح حلائل آبائهم ونهاهم .." ثم يروي الطبري طريقة هذا الزواج بقوله : وطريقة أهل يثرب في إعلان دخول زوجات المتوفى في ملك الابن أو الأخ أو بقية الأقرباء من ذي الرحم إذا لم يكن للمتوفي أبناء أو إخوة , هو بإلقاء الوارث ثوبه على المرأة فتكون عندئذ في ملكه , إن شاء تزوجها وان شاء عضلها , أي منعها من الزواج من غيره حتى تموت فيرث ميراثها إلا أن تفتدي نفسها منه بفدية وترضية. أما بعد الإسلام فقد شدد على تحريم هذا الزواج وحكم على من تزوج هكذا زواج قتل.. وجدير ذكره أن العبرانيين كانوا يتخذون هذا الزواج ويتعارفون به وكذلك ما عرف عند الرومان والسريان.




2- نكاح البدل : 




     وهو مبادلة المرأة بمرأة أخرى باتفاق الزوجين فيقول الرجل للرجل " انزل لي عن امرأتك وانزل لك عن امرأتي وأزيدك ".




3- نكاح الشغار : 




     وهو أن يزوج الرجل أخته أو ابنته على أن يزوجه الآخر أخته أو ابنته من دون صداق بينهما , أي إسقاط المهر مقابل استجابة الآخر للزواج من ابنته وتزويجه ابنته بالمقابل , وقد حرم الإسلام مثل هذا الزواج إذ تمتهن فيه كرامة المرأة أي امتهان , وكأن المرأة سلعة للتبادل دون مراعاة لشخصيتها وكرامتها. الى غير ذلك من الصور الممتهنة التي تعامل بها المرأة دون النظر الى كرامتها وشخصيتها. إلا أن الإسلام جاء وألغى كل هذه الصور الدنيئة في علاقة المرأة بالرجل , وشرع النكاح الذي يكون ضمن حدود لا يمكن تجاوزها بأي حال أو إخلال بها بأي نحو, وهذا الزواج يحدد العلاقة الطيبة بين الرجل والمرأة ويضع للمرأة احترامها في الخيار والموافقة وأي زواج لا يتصف برضا الزوجة يعد باطلا فضلا عن المهر الذي يتفق عليه الطرفان بينهما. 


المرأة في الرؤية القرآنية : 


ولم يقف الإسلام عند حد تحرير المرأة من النظرة الدونية التي كان يوليها إليها المجتمع آنذاك بل عزز موقفها الى حد لا يمكن أن يصل منهج آخر في رفع مستواها إلى الحد الذي ساواها مع الرجل في كثير من الحقوق والواجبات. 


ففي معرض تعريفه للهوية الإنسانية أكد القرآن أن الله تعالى قد خلق الناس من شعوب وقبائل وهذا الاختلاف في التوجهات العامة لا يعني الاختلاف في الحقوق بل الجميع متساوون وأساس التفضيل هي التقوى, إلا أن القرآن أشار الى صنفي الخلقة وهي الذكر والأنثى ولم يميز بينها بل جعلها أساسا للتقوى والتقريب إلى الله كما في قوله تعالى " يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم " الحجرات : 13. ومن أجل السعي في الحصول على الحقوق بشكلها المتساوي فان القرآن لم يفرق بين عمل الرجل وعمل المرأة بل جعلهما في اتجاه واحد من الأهمية والمساواة , قال تعالى: " اني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض" آل عمران : 195 فالأجر محفوظ للمرأة كما هو للرجل وهذا أرقى حالات المساواة التي ابتكرها القرآن الكريم. بل الخطاب القرآني في تصاعد متزايد من أجل حفظ حقوق المرأة وترقي كرامتها وتناميها حيث قال : " من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون "  النحل 97 وقوله تعالى : " من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب "  المؤمن : 40 وقوله تعالى : " ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا " النساء : 124. على أن القرآن لم ينته عن أمر التكريم بل هو في محل الدفاع عن المرأة وكرامتها حتى ذم آولئك المتشائمون من الأنثى وكيف يتعاطون معها عند ولادتها بحيث يحرص أن لا تمس المرأة من لحظة ولادتها وأن تستقبل بتكريم ومحبة كبيرين , فقال تعالى : "وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم يتوارى من سوء ما بشر به أيمسكه على هو أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون " النحل: 59 وهو أقصى غاية الاستنكار على من يتعامل مع المرأة بهذه الضعة والاستصغار , بل تساءل القرآن الكريم عن الذنب الذي جنته البنت حين قتلها عند ولادتها بقوله " وإذا المؤودة سئلت بأي ذنب قتلت " التكوير:9.


 


     بل تعاظمت هذه النظرة الكريمة للمرأة في القرآن الكريم إلى أن يجعل عطاء المرأة والرجل متكافئا وكل يعمل على أساس إيمانه بقضية معينة , فكل الإعمال محترمة سواء تلك الصادرة عن المرأة أو التي تصدر عن الرجل كذلك فيقول سبحانه " ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن واسألوا الله من فضله ان الله كان بكل شئ عليما " النساء : 32 , فملاك التفضيل هو العمل والعطاء الذي يقدمه الرجل والمرأة للمجتمع وما يكسبانه من منافع إزاء ذلك. 


 


المرأة والاختلاف في فتوى الفقهاء ..


     يحسن بنا أن نقف عند عاملين أساسيين يدخلان في تحديد المسارات العامة لمفهوم حقوق المرأة ليتسنى لنا البحث في عمق الموضوع وهما في الواقع تحديان يحددان المفهوم العام الذي من خلاله يحاول الفقيه مراعاته عند إصدار الفتوى : 


التحدي الأول الرؤية العلمانية في التعاطي مع الثوابت الإسلامية في خصوص المرأة وحقوقها , إذ تحاول هذه الرؤية في العمل على اثارة الشبهات حيال امكانية النظام الاسلامي في حفظ حقوق المرأة , فالعلمانية تقف من هذه المسألة موقفا سلبيا في تحريض الرأي العام على القانون الاسلامي الذي يقنن للمرأة حقوقها وكونه غير جدير لتلبية طموحات المجتمع الذي يسعى لتحرير المرأة من كل قيود , وهكذا أحدث التيار العلماني في حالة شرخ في ثقة البعض بإمكانية الإسلام على التعاطي مع حقوق المرأة وحريتها. 


 


التحدي الثاني :  الموروث المتخلف الذي أفرزته العادات والتقاليد للمجتمع الجاهلي والذي بقي عالقا في ذهنية البعض من كون حقوق المرأة يعني تمردها وعدم التزامها بواجباتها , وأن الذهنية المتخلفة لبعض المجتمعات تأبى التغيير وترفض تلك الحقوق التي حفظها الإسلام للمرأة وشخصية المرأة ومساواتها في الحقوق مع الرجل لا تسعها مثل هذه الذهنية الموروثة التي تنتزع القيم على أساس المصلحة العليا للرجل دون مراعاة المرأة بشئ. هذين التحديين أنتجا لدى الفقيه حالة المرارة لمشاعر الكثير عند إصداره الفتوى ومعنى ذلك مراعاة القناعات العامة في تلقيها للخطاب الاسلامي ومحاولة  بث روح التسليم للنص وكون هذا النص مراعى لكل الظروف فضلا عن مراعاته لحقوق المجتمع وأن المساواة بين الرجل والمرأة لا تعني انتهاك حقوق الآخرين بل هي من متممات حقوقهم. من هنا أمكن القول أن الفقيه يراعي الأفهام العامة في إطلاق الفتوى دون تعرض الفتوى الى ابتزاز عرفي بسبب اختلاف إفهام العامة , وبمعنى آخر أن يعمل الفقيه على تطويع الأفهام لاستيعاب الفتوى وليس العكس أي تطويع الفتوى بما يتناسب وإفهام العامة. 


 


فقه القضايا المعاصرة : 


     ان ما يواجه الفقيه في عملية الاستنباط الفقهي تعاطيه مع بعض المستجدات التي يحدثها التطور الزماني للمجتمع , أي أن لكل عصر مستحدثاته في القضايا , حتى أطلقت بعض المدارس الإسلامية عليها بالنوازل , والنازلة كل أمر شديد يقع في الناس أو المستجدات وهو كل أمر يستجد ويستحدث الى آخره من المصطلحات , ولعل في لغة بعض فقهاء المدرسة الإسلامية يصطلح على هذه المستجدات بمستحدثات المسائل كما عند الفقيه الراحل السيد أبو القاسم الخوئي رضوان الله عليه, وقد استندت كثير من القضايا التي يحتاج معها الى إعمال الفتوى أمثال الشركات المساهمة والنقود الورقية ونقل وزراعة أعضاء جسم الإنسان , والاستنساخ البشري وتشريح جسم الإنسان وحكم السينما والمسرح وبراءة الاختراع والاسم التجاري الى غيرها من القضايا المستحدثة في عالم متسارع متغير , بل لا تتوقف المسألة الى مستجدات العناوين المستحدثة وإنما هناك تغيرات في المعَُنَون ذاته وعلاقته بالحكم المطابق له فمثلا , التغيير في مفاهيم الاحتكار , فهل يتوقف على الغلات الأربع أم أن الاحتكار يتعداه الى كل ما هو ضروري في حياة الناس كمواد البناء والملابس والأدوية وغيرها من السلع ذات العلاقة الماسة بحياة الناس , وهل ينطبق عليها العنوان الأولي في الاحتكار أم يتعامل الفقيه معها على أساس العناوين الثانوية الأخرى لمراعاة مقتضيات المصلحة ؟


 


     من الأمور الأخرى التي يطالها التغيير مفهوم التسعير فهل يبقى الفقيه مع عدم التسعير كما عليه الأكثر مراعاة للنصوص أم أن العناوين الثانوية تأخذ مأخذها في المسألة كملاحظة عنوان الاحتكار والاستبداد والتسلط والظلم والضرر مع ملاحظة قاعدة لا ضرر ولا ضرار أي أن الفقيه لابد أن يراعي في قاعدة الضرر مصلحة البائع وهل سيدخل تحت عنوان لا ضرار ؟


 


     وما يذكر هنا في مسألة التغيير في المعُنَون هو موجبات الفسخ مثلا كالعنة عند الزوج والرتق عند الزوجة الى غير ذلك فهل يلحق بذلك الأمراض المعدية كالايدز , وهل يلحق بموجبات الفسخ أم تشمل الحالة قاعدة لا ضرر ولا ضرار , وكيف يشخص الفقيه هذه الحالة لتدخل ضمن القاعدة وغيرها أم  لا يمكن تطبيقها عليها لتعارضها مع المصلحة. 


الطب في فقه المرأة .. 


     من الأمور التي تعترض الفتوى في شؤون النساء , هي مسألة الحيض التي تعد من المسائل المعقدة في هذا المجال , ولعل ما سنشير إليه سيظهر الخلاف في فتاوى العلماء وهي مسألة الحيض التي تتجاذبها الآراء , وليست المشكلة في دليل الفقيه بالطبع , فالدليل الذي يحصل عند هذا الفقيه هو نفسه عند الفقيه الآخر الذي اختلف معه في الفتوى , بل المسألة تتعلق في الموضوع وحتى المفهوم , ففي موضوع الحيض يختلف الأمر في المناطق الحارة عنده في الباردة وفي المرأة ذات العوارض الصحية عن تلك التي لا تعاني من مشكلة مرضية فتختلف الرؤى من موضوع الى موضوع عند تشخيصه , وكما الاختلاف في موضوع الحكم يشكل معلما في اختلاف الفتوى , فان اختلاف في مفاهيم الأحكام تشكل معلما آخر , فمفهوم الحيض من حيث هو حيض أو علة مرضية أو عارض آخر يختلف في تشخيص الفقيه له فالدم التي تراه الصغيرة هل هو دم حيض أو عارض مرضي معين خصوصا إذا كان هو الدم الأول في حيضها أي أنها كانت ممن لم تحض , وعندها هل ستترتب عليها أحكام الحائض فتجتنب الصلاة والصيام والدخول الى المسجد ومس المصحف , أم أنها باقية على طهرها تزاول كل ما يحرم على الحائض كون هذا الدم هو دم طهر وليس حيض , وهكذا ما يفاجئ المرأة الكبيرة الآيسة والتي انتهى حيضها ببلوغها سن الخمسين لغير القرشية والستين للقرشية على ان هناك اختلاف في طبيعة القرشية وهي المنتسبة الى النضر بن كنانة بالأب أو بالأبوين لا بالأم عن غيرها في استمرار الحيض وانقطاعه وترتب ذلك على الحكم كما هو معلوم. 


     ومن أجل توضيح الأمر لا بد أن نستعرض بعض مفاصل المسألة "مسألة الحيض" ليتسنى وضوح الاختلاف. 


أولا : سن اليأس من الحيض :  


     وهو انقطاع الدم عن المرأة وعدم ترتب أحكام الحيض أي عدم وجود الموضوع الداعي للحكم , وقد اختلفوا في سن اليأس هل هو الستين إذا بلغته المرأة من عمرها أم الخمسين أم ما بينهما. 


     فقد أفتى العلامة ببلوغ الستين , وعند غيره ببلوغ الخمسين كما هو فتوى ابن إدريس الحلي في السرائر والشهيد الثاني في مدارك الإحكام وفتوى ابن البراج القاضي والمحقق في النافع والمنتهى. ومنهم من فصل بين القرشية وبين غير القرشية كما أشرنا إليه آنفا. 


     ومنشأ الخلاف الأدلة التي يفهم فقهها الفقيه , ولعل بعضهم لم يقبل هذا الدليل لضعف سنده والآخر يقبله لقبول سنده , والسند هم سلسلة الرواة التي تروي عن الإمام المعصوم عليه السلام. 


     فما رواه عبد الرحمن بن الحجاج عن الإمام الصادق عليه السلام قال : " قلت : التي يئست من المحيض ومثلها لا تحيض قال : " إذا بلغت ستين سنة فقد يئست من المحيض ومثلها لا تحيض " وقد عبروا عن هذه الرواية بالخبر وهو الذي لا يرقى الى درجة الرواية الصحيحة. إلا أن هذا الخبر يعارضه رواية صحيحة عن الإمام الصادق عليه السلام " حد التي يئست من المحيض خمسون سنة " والفقيه يختار من الروايتين أيهما صحيح على حسب مبناه الرجالي , والمبنى الرجالي نقصد به تعامل الفقيه مع رواة السند من حيث الوثاقة وعدمها. لذا فقد أختار بعضهم في فتواه تحديد سن اليأس بالستين سنة وبعضهم بالخمسين حسب قناعته في قبول أي الخبرين. 


ثانيا : سن الحيض عند الصغيرة


     وهي مسالة متى يمكن للصغيرة أن تحيض عند رؤيتها الدم فهل كل ما تراه الصغيرة من دم هو حيض سواء بلغت تسع سنين أو لم تبلغ ؟ 


      إن الفقيه هنا في هذا المورد لا بد أن يتأمل الروايات الواردة والتي أكدت على بلوغ الصغيرة تسع سنين فكل ما تراه بعد ذلك من دم فهو حيض أو استحاضة على التفصيل الذي ذكروه , واعتماد الفقيه مثلا على موثقة عبد الرحمن بن الحجاج عن الإمام الصادق عليه السلام قال : "ثلاث يتزوجن على كل حال الى أن قال - : والتي لم تحض ومثلها لا تحيض , قلت : ومتى يكون كذلك ؟ قال : ما لم تبلغ تسع سنين , فإنها لا تحيض ومثلها لا تحيض " فالفقيه فهم منها أي الرواية بلوغ البنت تسع سنين فإنها تكون قابلة للحيض وكل ما تراه من دم فهو حيض , فان لم تبلغ التسع فليس دمها دم حيض واستدل هنا الفقهاء بالأصل أي أصل البراءة بمعنى أن أصل البنت قبل تسع سنين لم تكن بحائض فكل دم تراه قبل هذه السن فليس بحيض وكذلك دليلهم الإجماع بقسميه المحصل والمنقول ومعنى المحصل أن يكون الفقيه مستقرءا لآراء الفقهاء الذين سبقوه بحيث يمكن أن يكون الإمام ضمن هؤلاء , والمنقول هو ما نقل من وجود إجماع وهذا القسم الثاني لا يعتبره الفقهاء كدليل بل هو دليل مؤيد , فربما لا يتفق لفقيه هذا الإجماع ولا يحصل عليه وهنا لا يمكن أن يعتمد على هذا الإجماع ولا على ما أورده غيره من الأخبار لكون تلك الأخبار لم ترق الى الصحاح من الأخبار بل هي موثقة ولم يطمئن الفقيه بصدور هذه الموثقة من الإمام عليه السلام خصوصا إذا عارضتها أخبار أخرى يراها أنها اصح من تلك وعند ذلك لا بد أن يبحث عن دليل آخر وربما يكون هذا الدليل هو الخبر الذي يقول ان بلوغ المرأة في سن الثالثة عشر من عمرها فيأخذ بهذه الرواية ويطرح الروايات التي تقول بان سن البلوغ هو في التاسعة , فهنا حدث الاختلاف بين فقيه وفقيه , أي بين الذي يقول سن البلوغ هو التاسعة وبين ذلك الذي يقول سن البلوغ للفتاة هو الثالثة عشر وهذا إحدى مناشئ الاختلاف كما هو واضح. 


 


ثالثا : حيض المبتدأة :  


     المبتدأة كل امرأة بدأت عندها حالة الحيض بشرط أن تكون في سن التاسعة عند أكثر الفقهاء , ولا بد أن تكون هذه المبتدأة في الحيض جاهلة في وقت ابتداء حيضها , فلا بد أن يكون الحيض موقوتا بوقت حتى تجري عليها أحكام الحائض , ولأجل معرفة المرأة وقت حيضها فقد اختلف الفقهاء فيما بينهم فمنهم من اكتفى بالمرة الواحدة وعلى ذلك تعرف وقت حيضها وهو عند المذاهب الإسلامية الأخرى غير والامامية حيث أكتفوا بمرة واحدة ليكون القياس على بقية الحيضات , ومنهم من اكتفى بأثنتين ومنهم من اشترط ثلاث حيضات. 


 


     والسبب في هذا الاختلاف هو ما يجده الفقيه من رواية مثلا عن الإمام الصادق عليه السلام حيث قال في المبتدأة : فان انقطع في أقل من سبع أو أكثر فإنها تغتسل ساعة ترى الطهر وتصلي , فلا تزال كذلك حتى تنتظر ما يكون في الشهر الثاني , فان انقطع الدم لوقته في الشهر الأول سواء حتى توالى عليها حيضتان أو ثلاث فقد علم الآن ان ذلك قد صار لها وقتا وخلقا معروفا تعمل عليه وتدع ما سواه الى أن قال - : وإنما جعل الوقت ان توالى عليها حيضتان أو ثلاث لقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للتي تعرف أيامها : دعي الصلاة أيام قرئك , ولكن سن لها الأقراء وأدناه حيضتان فصاعدا ".


 


     فالفقيه حينما يرجع الى هذه الرواية يكتفي بحيضتين لقول الإمام "وأدناه حيضتان" الا أن الآخر لا يكتفي بذلك بل لا بد له أن يفتي بثلاث حيضات لقول الإمام عليه السلام " وأدناه حيضتان فصاعدا " وأكثر من الاثنين ثلاث حيضات لذا فهو يفتي بان تعمل المبتدأة على أساس ما تراه من الحيض لثلاث حيضات حتى يكون ذلك قياسا لحيضها التالي , وهكذا نجد الاختلاف في هذه المسألة بسبب قناعة الفقيه في فهمه للدليل خصوصا الرواية وكيفية التعامل معها. 


 


ثالثا : ما تراه الحامل هل هو دم حيض أم لا ؟ 


     أختلف الفقهاء فيما تراه الحامل من الدم هل هو من الحيض أو عارض مرضي آخر , وقد أنقسم الفقهاء على أساس الأدلة الواردة. 


     وقد جزم بعضهم بعدم اجتماع الحيض مع الحمل , وان ما تراه الحامل من دم إنما هو عارض مرضي آخر , فمثلا ما رواه السكوني عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهما السلام قال : قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ما كان الله تعالى ليجعل حيضا مع حبل , يعني انه إذا رأت الدم وهي حامل لا تدع الصلاة إلا أن ترى الدم على رأس الولد , وضربها الطلق ورأت الدم تركت الصلاة " وما روي عن الإمام الكاظم عليه السلام في صحيح حميد بن المثنى : عن الحبلى ترى الدفعة والدفعتين من الدم في الأيام وفي الشهر والشهرين فقال : تلك الهراقة ليس تمسك هذه عن الصلاة" , ففي هذه الرواية عبر الإمام أن هذا الدم يهراق من الرحم وكأنه زيادة في الرحم يقذفها عند الحمل , في حين يصف من يروي عن الإمام الكاظم وهو عبد الرحمان بن الحجاج بأن الهراقة حيض أو استحاضة تبعا لصفات الحيض , أي أن الدم المراق يلحقه حكم الحيض في صفاته والرواية هكذا : " سألت أبا الحسن عليه السلام عن الحبلى ترى الدم وهي حامل كما كانت ترى قبل ذلك هل تترك الصلاة ؟ قال : تترك الصلاة إذا دام " وفي الهراقة يقول الإمام الصادق عليه السلام :  "سألته عن الحبلى قد أستبان حملها ترى ما ترى الحائض من الدم قال تلك الهراقة من الدم , إن كان دما أحمر كثيرا فلا تصلي وان كان قليلا أصفر فليس عليها إلا الوضوء " فالهراقة هنا في الرواية حكمها حكم الحيض لذا فقد ذهب بعضهم الى أن الحائض تتحيض عند رؤيتها الدم ورجحوا رواية الإمام الصادق على الرواية السابقة التي رواها السكوني عن الصادق عليه السلام كذلك , وترجيحهما عند البعض كونها تخالف فقه بعض علماء المذاهب الأخرى وبتعبيرهم لمخالفتها للعامة وهذه إحدى أسباب الترجيح والسبب في ذلك كون فقه العامة موافق لمتطلبات السلطة بصورة عامة لذا ما يرويه الفقيه العامي ربما يكون مطابقا لتوجهات السلطة وهذا السبب أسس قاعدة عامة تقول إذا تعارضت الروايتان فنأخذ بأيهما تخالف العامة بغض النظر عن المورد , ولا يقال هنا أن مورد الحيض لا علاقة له بالتوجهات السياسية للنظام الحاكم فلذا رجحوا تلك الروايات القائلة بأن الحامل يأتيها الحيض وحكموا على حيضية الحامل بتلك الرواية. على أن الذين قالوا بعدم حيضية الحامل وذلك للرواية السابقة وكونهم احتجوا بروايات أخرى تقول بأن دم الحيض غذاء الولد في الرحم. فكيف يقذف هذا الدم مع ضرورته ؟ وربما طابق النظرية العلمية التي تقول : تبدأ الدورة عند المرأة بعد الحيض مباشرة حيث يكون الغشاء المبطن للرحم رقيقا وبسيطا ولا تزيد ثخانته عن نصف مليمتر , ثم تأتي مرحلة النمو بواسطة تأثير هرمون الأنوثة الذي يفرزه من المبيض كيس يسمى عند الأطباء " حويصلة جراف " فينموا الرحم وأوعيته الدموية , وكذلك تنمو غدد الرحم وتبدو كالأنابيب , ويبلغ غشاء الرحم في هذه المرحلة خمسة مليمترات , ثم تأتي بعد ذلك مرحلة الإفراز بواسطة تأثير هرمون الحمل , الذي تفرزه " حويصلة جراف " بالمبيض بعد خروج البويضة منها , وتدعى البويضة عندئذ الجسم الأصفر , وينمو غشاء الرحم نموا عظيما , ويبطن الغشاء بطبقات وثيرة من الدماء والغذاء , وتنمو غدد الرحم نموا هائلا استعدادا لعلوق البويضة الملقحة. وتبلغ ثخانة غشاء الرحم في هذه المرحلة ثمانية مليمترات أي ستة عشر ضعف ما كان عليه عند بدء الدورة. فإذا حصل الحمل بإذن الله وعلقت البويضة استمر الرحم في النمو , ويصبح الجسم الأصفر هو جسم الحمل المنتمى بواسطة إفراز هرمون الحمل. كل هذا البناء الضخم هيأه الباري تبارك وتعالى كي تكون الرحم مستعدة للحمل. فماذا يحدث إذا لم تحمل المرأة ؟ الذي يحدث أن الأوعية الدموية تنقبض وتتفتت ويسقط الغشاء المبطن للرحم , وينهار البناء بكامله , ويخرج ذلك الدم الذي امتلأ به جدار الرحم , ويخرج مع الدم الغشاء المبطن للرحم الذي سقط , وهذا الخارج هو الحيض الذي تراه المرأة دما اسود محتقنا حارا كأنه محترق. وهذه النظرية العلمية توافق رأي من ذهب الى عدم امكانية الحيض أثناء الحمل كون هذا الدم هو غذاء الولد كما في مفهوم الرواية السابقة , لذا فان هذه الفتوى ستقترب من النظرية العلمية الآنف ذكرها ولعلها أكثر مطابقة للواقع. 


 


الاختلاف في ولاية الرشيدة عند الزواج : 


     من أشد ما أختلف فيه بين الفقهاء هو سقوط ولاية الأب في زواج المرأة الرشيدة , فمن المعلوم أن المرأة غير البكر تملك أمرها ولها أن تتزوج بما تراه يناسب مصلحتها ولا ولاية للأب والجد وغيرهما في زواجها , أما في البكر فتثبت الولاية للأب أو الجد في زواجها , وقد أطلق بعض الفقهاء هذا القول سواء كانت المرأة رشيدة تملك أمرها أم لا , أي ثبوت الولاية حتى مع رشد المرأة. ولا بد هنا أن نقف في معنى الرشد للمرأة وكيف تملك نفسها إذا كانت رشيدة وهذا الأمر تكفلت به رواية أبي مريم عن الصادق عليه السلام : " الجارية البكر التي لها أب لا تتزوج إلا بإذن أبيها وقال : إذا كانت مالكة لأمرها تزوجت متى شاءت ".


 


     ومعنى ملك أمرها تفسره رواية زرارة عن الإمام الباقر عليه السلام : "إذا كانت المرأة مالكة أمرها تبيع وتشتري وتعتق وتشهد وتعطي من مالها ما شاءت فان أمرها جائز تتزوج إن شاءت بغير إذن وليها , وان لم تكن كذلك فلا يجوز تزويجها إلا بأمر وليها ". أي أن المرأة حينما تكتمل شخصيتها وتقر جميع تصرفاتها في البيع والشراء والعتق والشهادة وغيرها فقد استطاعت أن تتصرف في أمر نفسها فيكون زواجها إحدى تصرفاتها المحترمة الرشيدة , ومن هنا تسقط ولاية الأب والجد عليها وعلى هذا جرت بعض الروايات في جواز أمر البكر عند الزواج كما في خبر سعدان بن مسلم عن الصادق عليه السلام : " لا بأس بتزويج البكر إذا رضيت من غير إذن وليها. هذا في الزواج الدائم أما الزواج المنقطع فان كثيرا من الروايات أجازت أن تتزوج من دون إذن الأب كما في خبر الحلبي عن موسى بن جعفر عليه السلام : سألته عن المتعة بالبكر بلا إذن أبويها قال : " لا باس " وغير ذلك من الإخبار وهذه مطلقة لم تقيد , نعم قيدت ببعض الإخبار أن لا يكون هناك دخول فأن ذلك يضر بوضعها الاجتماعي وسمعتها إذا هي عرفت بعدم بكارتها دون أن تتزوج زواجا دائما ففي مرسل أبي سعيد " قلت لأبي عبد الله عليه السلام : جارية بكر بين أبويها تدعوني الى نفسها سرا من أبويها فافعل ذلك ؟ قال : نعم واتق موضع الفرج قال : قلت : فان رضيت بذلك وان رضيت فانه عار على الأبكار ". فان الخبر يحذر من الدخول خوفا على وضع البنت الاجتماعي أما ما ورد عن الإمام الصادق عليه السلام : "العذراء التي لها أب لا تتزوج متعة إلا بإذن أبيها" فأنه لا يعارض سابقة من الخبر الذي أباح للرجل أن يتزوج البكر متعة , بل جمعوا الفقهاء بين هذا  وبين سابقه على الكراهة ِأو حمله على الحرمة من جهة بعض المحذورات كتعريض البنت أو الرجل الى الخطر. وعلى هذا فقد أسس بعض الفقهاء قولا بالمنع , أي منع زواج البنت سواء كانت رشيدة أم لا الا بإذن وليها وذلك لأخبار كثيرة كما في رواية ابن ابي يعفور عن أبي عبد الله عليه السلام : لا تتزوج ؛ وآت الآباء من الأبكار إلا بإذن آبائهن " وكذلك خبر الفضل بن عبد الملك : " لا تستأمر الجارية التي بين أبويها إذا أراد أبوها أن يزوجها هو أنظر لها ". وهذه الأخبار على اختلافها أسست آراء مختلفة في شرط إذن الأب أو عدمه. 


 


العنن من موجبات الفسخ : 


     لم يختلف الفقهاء في موجبات الفسخ أي ما يوجب للمرأة أن تفسخ عقدها عن زوجها إذا أظهرت لديه أمور منها العنن وهي حالة مرضية أصيلة أو طارئة لدى الرجل في عدم إمكان وطئ الزوجة وهذا  لا خلاف بينهم فيه , وإنما وقع الخلاف في فورية الفسخ وعدمه , أي هل للمرأة أن تفسخ عقدها فور علمها بعنة الزوج وعدم قدرته على الوطئ أم لها أن تصبر. 


 


     اختلفوا في ذلك فبعضهم قال بعدم الصبر لإطلاق أدلة الفسخ , والإطلاق بمعنى عدم التقييد بشرط من الشروط أو أنها مقيدة بصبر الزوجة على زوجها لإمكان علاجه مثلا أو لتغيير الطقس الذي اعتبره بعض العلماء سببا في تحسن حالة الأداء الجنسي للزوج وكما قال صاحب الجواهر " لأن العجز قد يكون لحر فيتربص به الى الشتاء , أو برد فيتربص به الى الصيف , أو رطوبة فيتربص به الى الخريف , أو يبوسة فيتربص به الى الربيع " وهنا راعى الشيخ وضع البيئة التي تكون مساعدة على تحسن أحوال المريض , فربما لم يكن عننا أصليا دائما كان بسبب عارض مرضي. والروايات في هذا الشأن كثيرة , فالتي أطلقت بجواز فسخ الزوجة لمجرد العنن منها ما عن الصادق عليه السلام " إذا علم أنه عنين لا يأتي النساء فرق بينهما " وخبر أبي الصباح " سألته عن امرأة ابتلى زوجها فلا يقدر على الجماع أبدا أتفارقه ؟ قال : إن شاءت " إلا أن البعض لم يرتضي هذا إلا طلاق فضلا عن ضعف سندهما لذا فقد حاول تقييدهما بروايات وردت عن الأئمة عليهم السلام فما ورد عن الباقر عليه السلام قوله " العنين يتربص به سنة ثم إن شاءت امرأته تزوجت وان شاءت أقامت " وخبر البختري عن الباقر عن أبيه عليهما السلام " ان عليا عليه السلام كان يقول : يؤخر العنين سنة من يوم مواقعة امرأته , فان خلص إليها وإلا فرق بينهما , فان رضيت أن تقيم معه ثم طلبت الخيار بعد ذلك فقد سقط الخيار ولا خيار لها" ففي هاتين الروايتين راعى الإمام عليه السلام الزوج المبتلى مدة سنة ليتمكن من خلالها من علاج نفسه أو تراعى فيه حالة الجو المؤثرة على الأعضاء التناسلية من الحركة والقيام بفعاليتها , وهكذا فمن أخذ بإطلاق روايات فسخ العنن حكم للزوجة بالفسخ بمجرد معرفتها على عدم قدرة الزوج من الوطئ ومن أخذ بهذه المقيدات من امكانية الصبر على الزوج فلا فورية في الفسخ وإنما لها أن تصبر ثم تفسخ إن شاءت وهذه بعض صور الاختلاف في الفتوى عند الفقهاء. 


 


التدليس في الزواج : 


     التدليس بمعنى إخفاء عيب من العيوب , أو الإخبار بضد الحقيقة كأن تخبره أنها من العشيرة الفلانية والتي يرغب الزوج منها أو أن لها الوظيفة الفلانية والتي تكون سببا في رغبة الزوج من الزواج فأن ظهر خلاف الحقيقة فكان ذلك تدليسا أو أخفت عيبا على زوجها كمرض معين أو نقص معين كذهاب شعرها مثلا وإخفاء ذلك بشعر مستعار أو عوق في عضو من أعضائها الى غير ذلك من العيوب , فللزوج أن يطالب من دلّس عليه بالمهر وللزوج المهر إذا دخل بها وذلك لروايات صريحة في ذلك كما في خبر رفاعة " وان المهر على الذي زوجها وإنما صار عليه المهر لأنه دلسها ".


     وفي هذا الأمر خلاف ولنستعرض الخلاف بين فقيهين كعينة لاختلاف الفتوى. 


العلامة الحلي : لم يرتضي ذلك كون المهر على المدلس وذلك لعدم قبوله الخبر الذي ذكرناه وهو خبر رفاعة وذلك لوصفه بالضعف أولا وثانيا لمخالفته الأصول , أي الأصل عدم تحمل المهر على الواسطة في الزواج الذي أخفى التدليس , إلا أنه استحسن التفريق بين التدليس بصفات الكمال لا سيما النسب فلم يرتضي ذلك أي لم يقبل أن يتحمل المدلس المهر أما بقية العيوب الأخرى كنقص عضو من الأعضاء أو الخلل في صفة من صفات المرأة فهنا يمكن أن يتحمل المدلس المهر هذا هو رأي العلامة وفتواه. 


 


الشيخ محمد حسن الجواهري النجفي : لم يفرق بين صفة الكمال وبين عيوب المرأة الأخرى وأحالها جميعا الى النقص الذي يتحمله المدلس فهو لم يرتض الاختصار على خبر رفاعة الذي وصفه العلامة بالضعف وقال إن الدليل لم ينحصر في هذا الخبر بل هناك أدلة أخرى منها صحيح الحلبي عن الصادق عليه السلام : " في الرجل الذي يتزوج الى قوم فإذا امرأته عوراء ولم يبينوا له , قال : لا ترد إنما يرد النكاح من البرص والجذام والجنون والعفل قلت : أرأيت إن كان قد دخل بها كيف يصنع بمهرها ؟ قال : لها المهر بما استحل من فرجها ويغرم وليها الذي أنكحها مثل ما ساق إليها " وصحيح الحلبي كذلك عن أبي عبد الله عليه السلام " في رجل ولته امرأة أمرها أو ذات قرابة أو جارة له لا يعرف دخيلة أمرها فوجدها قد دلست عيبا هو بها  قال : يؤخذ المهر منها ولا يكون على الذي زوجها شئ " أي لم يتحمل الولي التدليس لأن الزوجة هي المدلسة. 


 


     فهنا أفتى العلامة الحلي رحمه الله بأن التدليس لا يخص صفات الكمال بل هو يشمل صفات المرأة الأخرى كجمالها وشعرها وأعضائها وهكذا , بينما أفتى صاحب الجواهر بأن التدليس يشمل الجميع سواء صفات الكمال أو صفات المرأة الجسدية وغيرها.


 


الخيار لمن ظهرت زوجته ثيبا غير باكر والاختلاف في هذا الأمر :  


 


     البكارة شرط عرفي بل ضمن متعارف عند كل من أراد الزواج فلو ظهرت المرأة أنها ثيب أي غير باكر فهل للزوج الخيار في فسخ العقد أم لا ؟


     أثبت بعض الفقهاء الخيار للزوج بسبب عدم تحقق الشرط وهو البكارة , إلا أن البعض لم يرتضي ذلك أي عدم الخيار للزوج بفسخ العقد شرط قبل العقد وظهور الثيبوية بينة أو إقرار الزوجة وأوعز ذلك للأهل أي الأهل عدم الفسخ والاحتياط في إلغاء العقد لعدم مقتضي الفسخ ونجد في خبرالقاسم بين الفضيل عن ابي الحسن عليه السلام " في الرجل يتزوج المرأة على أنها بكر فيجدها ثيبا أيجوز أن يقيم عليها ؟ قال : قد تفتق البكر من المركب ومن النزوة " والنزوة بمعنى القفزة , وهذا الرأي أقرب الى الواقع العلمي إذ اثبت الطب أن بعض أغشية البكارة لعلها تتأثر بعوامل خارجية كالقفزة العالية أو وجود جرثومة معينة تقضي على هذا الغشاء فكيف لنا نثبت أن هذه المرأة قد أزيلت بكارتها بوطئ سابق ؟ 


     من هنا فقد رجح بعضهم الرواية السابقة لموافقتها للواقع العلمي بل العرفي كذلك ..


 


أسباب الخلاف والاختلاف : 


     هذه بعض صور الخلاف بين الفقهاء حول شؤون المرأة وبودنا أن ننبه الى بعض الأمور التي تتعلق بالأمر لمعرفة أسباب هذا الاختلاف , على أننا نقصد من مصطلح الخلاف بين الفقهاء هو الخلاف الناشئ من وجهات النظر بسبب ما يفرضه الواقع الاستنباطي لكل فقيه , وبعبارة أخرى أن آليات الاستنباط لم تختلف عند الفقهاء بقدر ما يختلف التعاطي مع هذه الآليات الاستنباطية وهي الكتاب والسنة والإجماع والعقل. 


 


     فالفقيه يتعامل مع النص القرآني على أساس التفسير الذي توفره له بعض الأحاديث الواردة عن الأئمة عليهم السلام فضلا عن قرائن أخرى يعتمدها في فهمه للآية الشريفة ليجعلها إحدى أدلته في إصدار الفتوى. 


  


     أما السنة , فهي ما تشمل قول وفعل النبي (ص) فضلا عن الروايات الواردة عن أئمة أهل البيت عليهم السلام , إلا أن الفقيه يخضع هذه الرواية أو تلك التي يمكن أن تكون دليلا لفتواه يخضعها للتحليل السندي أي معرفة رجال السند , فبعض رواة الرواية يكون غير معتبر أي ضعيفا غير ثقة أو أنه ثقة لكنه غير إمامي فتكون الرواية عند ذلك موثقة فإذا تعارضت هذه الموثقة مع تلك الصحيحة قدم الصحيحة على الموثقة وحكم على أساس ما تقتضيه هذه الصحيحة , ولا بد أن ننبه الى أن الفقهاء يختلفون في حكمه الرجالي وتوثيقهم للرواة , فمنهم من يرى أن الراوي الفلاني ضعيفا بنص الكتب الرجالية كالنجاشي وغيره علما أن النجاشي في مقدمة الرجاليين التي تعتبر توثيقاتهم حتى أنه لو تعارض قول النجاشي مع رأي الطوسي قدم النجاشي ولو تعارض قول الطوسي مع رأي العلامة الحلي قدم قول الطوسي أي يقدم الاقرب الى عهد الأئمة عليهم السلام أي الأسبق فالأسبق وهكذا علما ان توثيقات ابن الغضائري غير حاكمة في النزاع التوثيقي للرجاليين لإشكالات كثيرة أوردوها على ابن الغضائري أهمها طعنه في أكثر الرواة واستعجاله في الحكم عليهم بالضعف وعدم الوثاقة والأهم من ذلك أن كتاب ابن الغضائري مفقود غير متوفر مما أثير الشك في مصداقية ما ينقل عن ابن الغضائري كما أنه لو تعارض التوثيق والطعن قدم الطعن على التوثيق لأنه مقتضى الاحتياط في قبول قول الرجال كونها شهادة على حالة الراوي ومقتضى الشهادة أن يقدم الطعن على التوثيق في حال الشهادة كما عند الأكثر , هذا من ناحية سند الرواية , أما من حيث فقه الرواية فان الفقيه يتمعن في فهم الرواية وتوصله مذاقاته في الفهم وتحليله للسان الرواية حتى يفهم إرادة المعصوم وقصده. وهكذا تتجاذب إفهام الفقهاء لروايات المعصومين عوامل عدة كالفهم اللغوي والمقصود الدلالي الذي تنتجه كثير من المعطيات.


 


     ولا بد أن نشير هنا الى الاختلاف في نظر الفقيه عند توثيقه أو تضعيفه للراوي , إذ أن الاتجاه العام لدى الفقهاء اليوم عدم الجمود على توثيقات الرجاليين كالنجاشي والطوسي وغيرهما , بل هناك إعادة نظر في بعض الرواة الذين أشتهر عنهم الضعف وعدم الوثاقة أمثال سهل بن زياد ومحمد بن سنان وغيرهما مما تسالم الرجاليون على تضعيفهم , في حين نرى أن اتجاها آخر يحاول إعادة النظر في أحوالهم لذا فبعد ان كانت روايات محمد بن سنان وسهل بن زياد غير مقبولة عدم القبول من المتسالمات عند الفقهاء نجد اليوم كما عند بعض أساتذتنا في مجالس دروسهم يذكرونهم بالوثاقة ويقبلون مروياتهم , وكم من هذه المرويات التي كانت لا تعد عند الفقهاء نجدها معمول بها , ومقبولة , وبالتأكيد أن قبول وعدم قبول المرويات سيؤثر تأثيرا كبيرا على فتوى الفقيه بل ستظهر حالات الاختلاف على بعض الفتاوى فيما بين الفقهاء في فقه المرأة أو غيرها من شؤون وأبواب الفقه الأخرى.


 


     أما الإجماع فهو حصيلة تتبع لأقوال الفقهاء الذين يجمعون على رأي أو فتوى معينة شرط أن يكشف عن رأي المعصوم وهذا الاستقصاء لآراء الفقهاء عملية شاقة حصل عليها الأوائل من الفقهاء ثم تابعها من أجل بعدهم مع رصدهم للمخالف لهذا الإجماع فان كان معلوم النسب فلا يضر في الإجماع وأن كان مجهوله فلربما كان هذا المخالف هو الإمام لذا تراعى حالة التوافق والاختلاف في الإجماع على مسألة معينة لئلا تكون المخالفة لرأي المعصوم , على أن الإجماع في عرف الفقهاء أجماعات أحدهما محصل هو إجماع استقرائي كاشف عن رأي المعصوم والآخر منقول , أي مدعى وهو أضعف في دلالته من الإجماع المحصل بل عند الأكثر غير معتبر عدا كونه مؤيد على صحة الإجماع المحصل. 


 


     أما العقل فهو ما يدخل في ضمنه التحسين والتنقيح العقليين اللذان يحسمان الأمر في المسألة الفتوائية للفقيه ,أي أن الاستحسان العقلي هو ما جاء به الشرع وحث عليه , والتنقيح العقلي هو ما استبعده الشرع ونهى عنه , وبمعنى آخر أن الأإحكام الشرعية مبنية على التحسين والتنقيح العقلي لكن لا بشكل مطلق إذ لم يستطع العقل دائما وفي أكثر الأحكام استكشاف الملاكات الشرعية للحكم الصادر , وبذلك فتكون مساحة العقل محدودة في ضمن هذه السياقات. كما أن للأصول العملية مكانتها عند فقدان الدليل أو عدم وجدانه كالبراءة العقلية والشرعية والأصل في الشئ البراءة والجلية , فضلا عن الاستصحاب الى غير ذلك من الأصول العملية المساعدة على تكوين رؤية الفقيه الفتوائية. إذن تعدد آليات الفتوى وفهم الفقيه لها وتعاطيه معها يبرز الكثير من الاختلافات في الرأي الفقيه عند الفقيه أو مجموعة الفقهاء , وهذا الأمر ليس في فقه المرأة وحده بل يشمل جميع مناحي الفقه وأشكاله. 


 


ثبوت وتغير الأحكام وعلاقته بالفتوى : 


     لا بد من التفريق بين الحكم والفتوى لئلا يكون هناك خلطا مؤثرا على نتائج البحث وقبوله. 


     فالحكم هو القانون الشرعي الذي تلقاه النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الوحي وأبلغه الى أمته وورثه أوصياءه الأئمة الخلفاء من بعده كونهم ورثة النبوة وامتداد الرسالة وهم أئمة أهل البيت عليهم السلام , وهذا الحكم يحكي حكم الله تعالى في الواقعة فهو لا يتغير ولا يتخلف عن موضوعه. 


 


     في حين تعني الفتوى هو البحث عن علاقة الحكم بالموضوع وكيف يصل الفقيه الى حالة انطباق الحكم على مصاديقه في عملية الاستنباط التي يقوم بها الفقيه من خلال التوافر على آلياته التي ذكرناها فيما سبق. 


فلا يمكن الخلط إذن بين الحكم والفتوى بعد ذلك. 


 


الأحكام الثابتة والمتغيرة : 


     وعلى ضوء ما تقدم نجد أن الأحكام لا بد لها من الثبات وكون المشرع أخذ بالاعتبار المصلحة التي لا يمكن للعقل استكشافها , بمعنى أن ملاكات الأحكام لا يمكن أن تنالها العقول وتدركها الإفهام فهي محفوظة ضمن مصالح الهبة قد يقف المكلف على حكمها دون الوقوف على عللها. وهذا اثر جدير بالاهتمام ينبغي أن يراعى في فلسفة الحكم وانخرام كثير من توقعات البعض في تفسير ما هية الأحكام ودواعيها. 


 


     اذن فالأحكام ثابتة غير متغيرة , نعم هناك من الظروف التي تستدعيها المصلحة لتغيير الحكم الأولي الى حكم ثانوي تراعى فيه مصلحة المجتمع , أي تغيير حكم الإباحة بعنوانه الأولي الى الوجوب أو الحرمة بعنوانهما الثانوي , وقد أسس على ضوء ذلك الشهيد السيد محمد باقر الصدر قدس سره نظريته المعروفة في دور الزمان والمكان في الاجتهاد الفقهي وقدّم رؤيته الى أن الأحكام الثابتة لا تتغير وهي باقية على ثباتها , إلا أن هناك منطقة فراغ أو دائرة ترخيص يمكن أن تملأ بأحكام يراها المعصوم تناسب ذلك الظرف الزماني والمكاني للواقعة , ولا يقصد من منطقة الفراغ خلو الشريعة من الإحكام بل هي من كماليات الشريعة كما عبر في ذلك بقوله " ولا تدل منطقة الفراغ على نقص في الصورة التشريعية أو إهمال من الشريعة لبعض الوقائع والأحداث , بل تعبير عن استيعاب الصورة , وقدرة الشريعة على مواكبة العصور المختلفة لأن الشريعة لم تترك منطقة الفراغ بالشكل الذي يعني نقصا أو إهمالا , وإنما حددت للمنطقة أحكامها , بمنح كل حادثة صفتها التشريعية الأصيلة , مع إعطاء ولي الأمر صلاحية منحها صفة تشريعية ثانوية حسب الظروف , فإحياء الفرد للأراضي مثلا عملية مباحة تشريعيا بطبيعتها , ولولي الأمر المنع عن ممارستها وفقا لمقتضيات الظروف".


 


     إلا إننا نحاول من خلال دراستنا لولاية المعصوم التشريعية أن نؤسس لصلاحيات المعصوم كما يلي : أن التفويض في التشريعات هي حالات 


تنزيل الحكم في الوقت المناسب والزمان الذي يحتاج إليه هذا الحكم وبمعنى آخر أن الأحكام موجودة كلها في اللوح المحفوظ عند الملكوت الأعلى ومن خلال ما فوض الله تعالى للنبي ولأهل بيته في تنزيل الأحكام , فأنهم بعد تشخيصهم لمصلحة التنزيل يقومون بتنزيل هذه الأحكام وإقرارها على المكلفين.. 


     وهذا تفسير آخر لمنطقة الفراغ الذي يسلكه النبي (ص) والأئمة لإملائها , من هنا عرفنا ثباتية الأحكام وتغييرها تبعا للمصلحة الواقعية. 


 


     إذن فالأحكام ثابتة إلا أن الفقيه يراعي ظرف المجتمع والمكلف في الوقت الذي يعمل على تحقيق ثبات الأحكام وعدم تغيرها. 


     وما نجده من اختلافات في فتاوى الفقهاء بخصوص النساء وغيرها من شؤون الفتوى تتغير تبعا للمكان والزمان وهذه النظرة في المتغيرات تختلف من فقيه الى آخر فيظهر الاختلاف باديا على ملامح الفتوى والرأي الفقهي المنظور. 


 


وخلاصة القول :  


     نخلص بعد ذلك الى الأمور التالية : 


 


أولا:  امكانية الإسلام من حماية حقوق المرأة بكل دقائقها وتفاصيلها وتحولها من حالة الغبن والتهميش الى حالة الترقي والكمال ؛ وذلك مقارنة مع ما كانت تعيشه المرأة قبل الإسلام وما وضع الإسلام بعد ذلك من ضمانات لحقوقها وحريتها. 


ثانيا:  إن المسائل المتعلقة بالمرأة وخصوصياتها كثيرة لا يمكن حصرها بنماذج معينة , إلا أن حصر بعض هذه النماذج تبين لنا اختلافات الفقهاء فيما بينهم عند إصدارهم لفتوى ما مع وجود فتاوى متفقة فيما بينهم وتشير هذه الاختلافات الى حالة الاستنباط الشرعي الذي يعمله الفقيه في إفراغ وسعه للحصول على فتواه الفقهية في شأن من شؤون المرأة. 


 


ثالثا:  أن الاختلاف في الفتوى لدى الفقهاء يمكن أن نوعزه الى تعاطي الفقهاء مع آليات الفتوى والاستنباط وهي القرآن الكريم والسنة النبوية والإجماع والعقل واعتبار كل فقيه لهذه الآلية تبعا لفهمه الفقهي وذوقه في الاستنباط. 


 


رابعايجب التمييز بين الحكم والفتوى , فالحكم هو التشريع الذي أنزله الله سبحانه وتعالى على نبيه عن طريق الوحي فهو لا يتغير ولا يتبدل , في حين الفتوى هو تطبيق الفقيه الحكم على موضوعه وفرق بين المفهومين , فالحكم لا يناله تبديل والفتوى تتبع توجهات الفقيه في عملية الاستنباط الفقهي. 


 


خامسا:  أن من الأحكام ما يمكن أن تكون ثابتة ومنها ما تكون متغيرة , والثبات والتغير تبعا لعناوين موضوعاتها , فكيف يستطيع الفقيه أن يوفق بين ثباتية الأحكام ومتغيراتها تبعا لمصالح الموضوع بعنوانه الكلي أو الجزئي أو هما معا. 


 


     هذه محاولة موجزة لأسباب الاختلاف الاستنباطي بين فتاوى الفقهاء في شؤون المرأة عند التعاطي معها .. راجين أن نكون قد وقفنا الى استيضاح بعض الأمر ومن الله التوفيق والعصمة والسداد..